خفيا الزمن الأغبر
كان ذهنه قد شطح به 30 سنة إلى الوراء,فقفزت إلى ذاكراته ذكريات الشباب والثورة, نتخير منها ما دفن سنين في شريط الذكريات في أرض الملاذ الأكبر التي دبرت بمكر مصائرنا الراهنة.
فتذكر فترات سابقة من السبعينات من عام (1979 أكتوبر) فراح يسترجع صوراً وقصصاً وذكريات حققها غيره بأساليب لا يقوى عليها بطبيعته, واليوم ينتقي لكم من تلك الأحداث موضوعاً كان طرفاً فيها الرفيق ماريو سائق إسياس الذي كان يأتي له من الخرطوم بصيد الثمين, حاملاً معه لوازم السهرة الكاملة.
كانت سفرته طويلة,يجري بأقصى سرعته, عليه قطعها في 8 ساعات قبل أن يلفه ظلام الريف الإرتري, لهذا كان يعبر كل حفرة وكل وادي مسرعاً, ومقاعد سيارته تاهتز يمين ويسار بالسيدة/نقستي, والأتربة تركض على جوانب السيارة تمحو القرى المبعثرة كلما ظهرت.
الطريق يزداد وحشية كلما خلا, مع تقدم الليل وكان ماريو يزيد من سرعته, ويثرثر وحده لإنقستي على طول الطريق, عن الأمة الميتة التي استسلمت للنوم المبكر في ريف الإرتري. ربما وجد رأساً فارغاً يحشوه بالكذب,
أما مساعد الأمين العام كان يحسب الزمن وينظر بعيون ساكنة لمشاهد الغروب في الحدود السودانية ربما تطل عليه نقستي بعد أن بعثره الأرق وعصف به القلق,
وبفضل جمالها أصبحت نقستي مناضلة مشهورة معروفة في الميدان والخرطوم تتردد في الساحل لتبعث الحياة في حياة إسياس الباهتة, كان ذالك في سنوات التي اشتدت فيها الحملات الإثيوبية… وبينما كانت الحالة هكذا, كانت شهوة الرئيس عارمة تدغدغ عواطفه أصابع نقستي الرطبة.
وفي الحقيقة استطاعت هذه الفتاة اللعوب الوصول إلى فراش الرئيس الحقيقي لأن رمضان محمد نور كان فعلاً مجرد تابع يجيد فن النفاق وتطبيق أوامر إسياس لا فعل له ولا أثر
ولا يستطيع أن يحرك شيء وظل عادي ديكورا مزيفاً بطلاء الأمين العام يستخدمه إسياس كما يشاء.
وشعر جهاز الأمن بخطورة هذه الفتاة, لكي لا يكون في الأمرها ابتزاز سياسي, ومع ذلك كان ملفها يغلقه الرئيس العاشق, ولم تفلح معه محاولات البعد والنصح التي بذلت في حينها.
كم كانت دهشتي حينما وضعتني الصدفة وجها لوجه معها, رأيت المحروسة مكتنزة الأرداف ببنطلونها الضيق تتمايل مع صفعات ريح الساحل الناعمة تندفع ضحكاتها من وسط الجبال الشاهقة وأحيانا تنكمش وتحمي وجهها من نظرات الناس الجائعة. أما هو كان يمشي عبر وادي طويل مثل الطائر المشاي, لا يتبعه إلا ظله, وخلفه نقستي تواصل نزولها من المنحدر وأضعت نفسها بين مخالب الشيطان تنتقل من شجرة إلى أخرى في تجوال عشوائي. وهكذا حلت نقستي بواد غير ذي زرع في الساحل.
ولنترك نقستي في مرحها ونعود إلى الأرض التي تسقط عليها كل الأشياء في نهاية كل تحليق. ولكي نضعك في جو الحكاية عليه أن أذكر لك شيء عن قصص ألف لليلة وليلة من مصدرها الحقيقي.
كان الساحل منتجع كبير للفوضى وفي ليله كانت غرائب كثيره تحصل , وكل مسوؤل له لعبته الخاص فيهم من يلعبون بأذيالهم وأكتافهم ومنهم من تراهم مكومين على موائد دمو دمو ومنهم من يصل إلى حد حافة فقدان الوعي تسكب على رؤوسهم جرادل المياه, وفيهم من تراه هامداً ينام ويشخر مثل الثور. أما الفرق الفنية كانت أنغامها ساحرة تضؤا جوانب النفس البشرية وتهزها هزاً وكانت تستريح المشاعر الوطنية النبيلة فيها فلا يرضى المقاتل إلا أن يسمع كلمات البطولة ويحوم على تاريخ الشعب الإرتري وطرد الغزاة متفائلاً بالاستقلال القادم . أما الكلاب الضالة تجدها هائجة وسط الحشائش البرية تبحث عن رزقها.
وفي أطراف التلال المعشبة تعقد ندوات تثقيفية لا أحد يعرف مغزاها. كانت الأفكار الملفقة قد كبرت وسط المقاتلون وأصبحت الماركسية تدس أنفها في كل شيء بل صارت صعب زحزحتها بما تضخه من سموم في عقول الشباب, غنوا لهم بالمساومة,والعدالة,والرفاهية, كمبادئ الاشتراكية وهدف الثورة الإرترية المستقبلي, ونتج معه حشد غوغائي متحمس لسحرة الكبار,
و ضاق الميدان بين رجعي والتقدمي الكل يتصيد الأخطاء بنقد والنقد الذاتي, يتنبهون للأشياء التافهة وتفوتهم العميقة. كانوا في كارثة يبحثون عن مذنب تقول بكلمة في دينه ودينياه وكانت أكثر مشاكلهم مع البسطاء من عامة الشعب العابدين في بيوتهم,كانوا يحاربونهم في لقمة عيشهم وينهرونهم ويذلونهم أمام زوجاتهم وبناتهم عليهم أن يلبوا لهم احتياجات الثورة أولاَ ثم يأتي الباقي بعده, هكذا بدأ تفكيك الأسرة في الريف الإرتري. لأن التنظيم كان يدعوا إلى مزيد من التحليل الاجتماعي والإباحية لتخفيف الكبت الجنسي لجنوده.
وكانت مساحة الأرض الزراعية الكبيرة هي الأخرى ذنب يؤاخذ عليها صاحبها ويسمى بالبرجوازي والإقطاعي,وأصبحت كل أدوات الحياة الحديثة والراحة ينظر إليها من الترف, يصادر ويعاقب صاحبها بالملاحظات الثورة الثقافية الاشتراكية.
وهكذا جرينا في غير أرضنا وبحرنا وكانت أعمالنا هذه مصدر للبؤس والتشرد والحرمان لشعب الإرتري كله إلى يومنا هذا.
شق هذا التفكير طريقه في وعي الشباب المقاتل وكانوا جميعهم على عمى واحد تقهقرت أمالهم إلى الوراء, وتراجعت ألقابهم تعلموا منه الطرب والخمر والاستخفاف بالآخرين. أما سياسياً تعلموا الشجب والعداوة والصراع ولا يوجد بينهم من تعلم العدالة والإنصاف وحسن الظن بالأخر. غلب عليهم القهر والانقباض وأصبح مسعاهم مسعى المصالح والفرص والانتهازية فخلقوا لصوص يسطون على خزائن الشعب الإرتري.
كانت الحروب تمزق علاقات الجنود العاطفية,,وأتوا بفكرة الزواج الثوري وهي فكرة ليس لها أصل بل هي احدي جنون الشعبية حول زواج خائب لا يضمنه المجتمع الإرتري ودعوى باطلة غير راسخة في نفس حاملها لغياب مساحة خاصة تحترم القيم والجسد, وكانت السنوات التي يقضيها الزواج الثوري أقل من تلك التي يقضها الزواج الشرعي, وهو زواج ميسر فيه الطلاق لطرفين ويخلق القلق والخوف من المستقبل, لهذا أسفر عن عواقب كبيرة مخلخلة للموازين الاجتماعية انهارت بسببه قيم العلاقات الإنسانية في بلادنا إلى يومنا هذا,
المجتمع الذي تحافظ فيه النساء على الفضيلة هو مجتمع فاضل حتى لو انحرف رجاله ولكن حين تفسد النساء فقول على المجتمع السلام, فلخطاء سوف تكون شرعية واجتماعية ودينية, وإنسانية تخلق أذى نفسي وألم لا تمحوها مرور الزمن ولا ماء طقوس التعميد ولا غسيل الذنوب والتوبة. فهي شرف منتهك وكبرياء محطمة وسمعة خربانة.
وللأسف المقاتلة نفسها كانت قبيحة اللسان تتفاخر بفقد أنوثتها وخسارة رقتها بتجردها من صفاتها التي خلقت عليها مما أوجدت مفاهيم مزيفة تأييداً ودعما للفكرة وأخرجت نتائج غاية في التخريب في الميدان.. واليوم صارت المرأة تعرف ما تريد أن تفعله بها الشعبية,ولكن بقية بدون معين.رماها التنظيم وعقبها المجتمع.
بقلم/متكل أبيت نالاي
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7481
أحدث النعليقات