قــطوف أرتــريـة
الحلقة(6)
بقلم : أحمد نقاش
النخب السياسية الارترية
كيف تفكر وكيف تعمل ؟!(2)
تحدثت فى الحلقة السابقة عن النخب السياسية الارترية، فى فترة حق تقرير المصير فى اربعنيات القرن الماضى،والذى كان مفاده ان النخب السياسية فى تلك المرحلة،ان لم تكن على قدر كافى فى ادراك تعقيدات العلاقات الدولية واللاعب الأساسي فى قرارت الجمعية العامة لامم المتحدة ومحاولة التقرب اليها من اجل تحقيق المكاسب الوطنية فى مقابل امبرطور اثيوبيا الذى اجاد اللعب فى كسب القوى العظمى فى تعاقد اشبه ما يكون – بوعد من لا يملك لمن لا يستحق- ضعف دبلوماسية النخب الارترية فى تلك المرحلة وخاصة دعات الاستقلال الوطنى كانت اثاره السلبية واضحة على النتيجة النهائية فى مسألة الاستقلال الوطنى. الا ان تلك النخب اظهرت قدرة عالية فى كسب قواعدها من الشعب المنقسم على نفسه،وكما تحدثت عن مرحلة النضال السياسي السلمى والذى كان رواده النخب السياسية لحركة التحريرالارترية (محبر شوعت ) والتى استطاعت فى فترة وجيزة ان تحقق مكاسب وطنية مقدرة تحت شعار – الوحدة والوعى والعدل والمحبة هو طريقنا الى التحرور الوطنى – الا ان هذه الحركة تم اجهادها وهى فى المهد .
مواصلتا لما انقطع سنتحدث اليوم عن النخب السياسية فى مرحلة الكفاح المسلحة،وكما هو معلوم ان الثورة الارتريا قامت دون تحديد نظرى لفلسفة الكفاح المسلح،بل الحال كان اشبه ما يكون كمن وضع العربة امام الحصان،وهذا ناتج عن عدم وجود نخب سياسية قادرة على فهم المسالة من كل جوانبها فى تلك المرحلة،والثورة اذن كانت تعبر عن قوة الارادة فى المقاومة اكثر من الوعى السياسي وادراك المنهجية فى ادارة الثورة وقيادتها وبتالى حدث فى الثورة عدم التوازن بين الخيال والقدرة على تحقيقه.
فى بداية السبعنيات جاء قوم ادعوا المنهجية العلمية،وتسلموا سلطة الثورة تحت حجج المعرفة والمدنية،الفبركة الكاذبة التى انطلت على النخب السياسية من ابناء البادية والارياف الطيبين الذين تحملوا مصاعب النضال والامه لعدد من سنوات العجاف،لتتضح الامور بعد عقد من الزمان ان تلك المعرفة العلمية لم تكن اكثر من معرفة المصالح التى تعتمد على الغريزة والشك التاريخى اكثر منها الى العقلانية والمعرفة وكما هو معلوم ان الغرائز إذا تجمعت تنجز من الاعمال اشبه ما تكون من انتاج العقل،الا ان الفرق بينهما كبير، انتاج الغريزة كزبد الذى يذهب جفاء، واما انتاج العقل فيمكث لينفع الوطن والمواطن.هكذا كانت النخب السياسية فى مرحلة الكفاح المسلحة والذين ادعوا المعرفة والمصدقون لهم كانوا سواء فى بعدهم عن المعرفة الحقيقية فى مجال علوم السياسية والانسانية والادارية التى بها تقوم الثورات وتنجز اهدافها فى تحقيق الحرية والعدل والسلام والرفاهية،والدولة المدنية التى تقوم على اساس المواطنة وسيادة القانون وعمل المؤسسات.
نتيجة لغياب النخب السياسية الحقيقية التى تعتمد فى عملها على المنهجية العلمية فى ارتريا من المسلمين والمسيحين هو السبب الاساسي فى الانشقاقات المبكرة و معانات الشعب الارتري الى يومنا هذا،وبتالى تميز الواقع الفكرى الارترى بحالة من الجمود والركود وغياب عناصر الابداع والتطور مما جعل حركة المجتمع الارترى تراوح مكانها لا تتقدم بل كل ما تقدم الزمن تقهقرت النخب السياسية الارترية الى الوراء؛على سبيل المثال فى اربعينيات القرن الماضى النخب السياسية من ابناء المسلمين كانوا يتحركون فى العمل السياسي كأمة واحدة لتأمين مصالحهم السياسية والاقتصادية،بينما تنازعتهم المشاعرالإقليمية فى مرحلة الثورة،وبعد انهيار جبهة التحرير الام- عقب الضربة التى تلقتها من الحلفين انا ذاك الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، والجبهة الشعبية لتحرير تجراى،ونظام جعفر النميرى فى السودان الذى اقحم نفسه فى الصراع استجابتا لمطالب قوى عظمى فى ترتيب الاوراق الاقليمية التى كانت تدار من وراء الكواليس والتى كانت نتائجها واضحة فى بضع سنين على منطقة القرن الايفريقى- تنازعتهم المشاعر القبلية، والنخب المسلمة اذن كل ما تدهورت حقوق مجتمعاتهم فى الوطن وكل ما شعروا بزوال سلطتهم اتجه اكثر الى القبيلة والعشيرة والتى لا يمكن ان تخلق منهم زعيم وطنى حقيقي او ان ترد حق سياسي بإعتبار منطق القبيلة يتناقض مع منطق السياسة والمصالح العليا للمجتمع ككل.والشعب المسليم بدوره كل ما فشلت نخبهم السياسية فى تأمين حقوقهم تعلقوا اكثر باحبال لا تقود الا الى مزيد من الوهن والضعف مثل الغارق الذى يتعلق بالقشة ظن منه تحميه من السيل الجارف،شيئا فشيئا فقدت هذه النخب المسلمة العلمانية كل قواعدها الحقيقية وبتالى اصبح حالها كمن يبارز بسيف خشبي لا يرد الضربات ولا يخيف الخصم او المنافس،والمسلمين فى رحلة بحث عن البديل، وخاصة بعد استشهاد القائد عثمان سبي من عام 1984م وإزدياد مظالم المسلمين بعد سيطرت الجبهة الشعبية على الساحة الارتريا،كل هذا وذاك جعل من المسلمين فى حال انتظار والترقب لاى ميلاد جديد،كما قال احد الشيوخ من ابناء التجرنية الذى لحظ ما يقع على المسلمين من الظلم الشديد قال: (ان مسلمى اريتريا فى مخاض مؤلم ولكن لا ادرى متى ستكون الويلادة وماذا سيكون المولود؟ ذكر ام انثى؟..) انته كلام الشيخ.. وبالفعل نهاية الثمانينات من القرن الماضى ظهرت تنظيمات اسلامية بإندفاع قوى واستبشرى الناس بها خير والتفوا حول هذا المولود الجديد الذى عقد مؤتمره التوحيد الاول فى بطن معسكرات اللاجئن بسودان وبالفعل ان هذا المولود ارعب طواغيت الجبهة الشعبية وكل اصحاب المشروع الاقصائ،الا ان ازمة النخب السياسية كانت حاضرة فى هذه التنظيمات الاسلامية مثل غيرها من التنظيمات فى الساحة الارترية وفى خدم هذا التفاعل الجماهيرى تسلم قيادة هذا المولود الاسلامى الجديد اهل الخطابة والمنابر،فى الوقت الذى تراجع فيه اهل الفكر والادارة،وفات على الناس ان اهل الخطابة قد يستطيعون وصف الداء وتأجيج مشاعر الناس،لكن الفرق كبير بين من يصف الداء وبين من يستطيع إجراء عملية جراحية ناجيحة فى السياسة العملية_ ولله فى خلقه شؤون_وبتالى فشلت النخب السياسية الاسلامية كما فشلت النخب السياسية العلمانية من ابناء المسلمين، ان تحدث اى تغير كبير وانعطاف تاريخى جديد فى الواقع السياسي لاحداث نقلة نوعية وإعادة توازن ميزان القوى المختل فى البلاد كما كان يتوقعها الكثير من المراقبون لشأن الارترى،فضلا عن الشعب الارتري،بل حدث مع الوقت تراجع فكرى رهيب فى هذه التنظيمات الاسلامية فضلا عن المصالح الفردية الضيقة التى اشتمت رائحتها للقريب والبعيد معا.واهل الخطابة لم يستطيعوا الحفاظ على نقاء الفكرة وسلامة الوحدة الذى كان اساس قيام هذه التنظيمات والزخم الروحى بدء يتراجع امام الزحف المادى الطارئ فى غياب المنظومة الادارية الناجحة والضابطة للامور،ومن كان اقرب الى الطاعة ايام الفقر اصبح اقرب الى العصيان ايام الرخاء ..لان السلطان كان ينقصه فهم طبائع البشر بل غاب عنه القول المأثور” إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ” والشعار وحده لايثمن ولا يغنى من جوع.
وجملة القول ان النخب السياسية من ابناء المسلمين بشقيه العلمانى والاسلامى تعانى عدم حسن الادراك والعشوائية فى العمل وهذا يرجع الى عدت عوامل اهمها :
1- التصرف فى ادارة العمل السياسي بما هو اشبه ما يكون بإدارة العمل الاجتماعى.
2- فقدان بعد نظر فى القضايا الوطنية والتنظيمية
3- غياب المرونة فى التعامل فيما بينهم والتعامل بحسن النية مع الغير.
4- الانانية الفردية والتنظيمية المفرطة،وعدم وجود قناعة حقيقية بمفهوم الشورى والديمقراطية،وغياب آليات تضمن وتراقب تفعيل مفهوم الشورى والديمقراطية فى ارض الواقع.
5- عدم قدرة على ايجاد حليف استراتجى حقيقى من دول الجوار او دول العالم بسبب ضعف دبلوماسية هذه النخب السياسية
6- اكثر الملتظمين بهذه التنظيمات من القواعد اصبحت تتمتع بالوعى اللفظى اكثر منها بالوعى السياسي والبعد الفكرى وما يتطلبه هذا الفكر لتحقيقه فى الواقع المعاش فى داخل التنظيم او الحزب اولا لينتقل به الى الوطن ثانيا،وهذا بدوره يرجع الى غياب قيادة تستطيع خلق آليات التفكير الموحدة فى الثوابت الوطنية والمطالب الحقوقية فى ظل وطن واحد.
نواصل فى الحلقة القادمة لنتحدث عن النخب السياسية المسيحية بشقيها العلمانى والقومى …..
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7497
أحدث النعليقات