التضامن واجب الوقت وخيار إستراتيجي
أ/ محمد عثمان
ينتظم ميلاد جبهة التضامن الإرترية ضمن مساقات التطور الطبيعي والمنطقي لفعل القوى الإرترية المعارضة وتعبير واضح عن بلوغ مرحلة هامة من مراحل الوعي بالذات ووضع الأيدي على الجراح لمجتمع ظل جناحه مهيضا فهي خطوة تلمح عن نضوج وتقدم لكبرى كياناتنا الوطنية الفاعلة علي المستويين العسكري والسياسي وهي استجابة صادقة لرغبات الشعب وتطلعاته في رؤية قوة ضاربة تتكئ على رصيد نضالات ومجاهدات صابرة تسمو بمن تسربلوا جلبابها لمقام قيادات وطنية واعدة وكيانات سياسية سامية مدركة لواجب الوقت ومستلهمة القدرة في فن إدارة المعركة بأتم اللياقة اللازمة ليحسن المجتمع سويا مسلك التصرف السليم عندما تحين لحظاته الحاسمة وهو سبيل قويم لتفعيل مظلة التحالف الوطني وترشيد جهوده بتلخيص مكوناته في كتل قوية ومؤثرة لنتجاوز به حالة الأداء الرتيب وشبح ثقافة الترهل المقعدة ورغبات تعميق التشتيت والبعثرة والتي لاتتجاوز في محصلتها النهائية إلا حظ الذات العاجل والمنقوص ومنعطف ينبي عن جهل عميق بخرائط التغيير والإصلاح المطلوب بشأن ترتيب أولويات المرحلة صياغة لملامح المشروع الوطني الغائب في الفترة ما بعد الاستقلال لبناء الدولة الارترية الحديثة كما ينبغي على ركائزها الاصيلة والمتينة والمتمثلة في هويتها العربية الافريقية وديانتها الاسلامية والمسيحية وهي مسلمات يسندها واقع الجغرافية والتاريخ الشاهد على مستوى التمازج والتساكن الذي أدى لوجود إرتريا بحدودها السياسية المعروفة على الخارطة الدولية حلم خاضه الشعب في أطول حرب تحررية جرت سجالاتها في مسرح القارة السمراء زهاء ثلاثة عقود في بطولات وتضحيات قل نظيرها مع ندرة وجود ظهير ونصير .
تأتي التضامن للتأكيد على تلك الركائز لتصلح ما انثلم وتثبت وتغرز ما انهد ليستظل سائر بني الوطن بظلال بلادهم الوارفة في مستقر من الحياة السالكة والناظمة في عقدها الزاهي بين الجميع . ذلك أن أي مسعى يدعي بناء الوطن ويعتمد في سياساته علي ضرب تلك الركائز لن يصل ولن ينعم في أمن إن وصل وخير دليل تجربة الشعبية وأشياعها حيث أريد من سقفنا الوطني أن يقف على ركيزة واحدة فانهدت جوانبه وخر على الرفاق السقف من فوقهم فانفض سامرهم ثمالى وليس أدل على ذلك من شيئ إلا التأمل في مصائر الرفاق ومآل حكمهم الذي أنتج ثقافة الهروب عن الوطن في ظاهرة غريبة لم نجد لها مثيلا في تاريخنا السياسي المعاصر وفي أعنف فترات المستعمر واستبداده بهذا الكم والنوع الهارب على المستويين الرسمي والشعبي خاصة الفئات العمرية العابرة للحدود السودانية والأثيوبية بصورة راتبة أذهلت المهتمين والمراقبين للشأن الارتري ؟؟ لكن العارف للسبب باطل عنده العجب .
وإيقاف هذا النزيف البشري مرهون حالا ومستقبلا بالاعتراف بواقع التباين الثقافي والاجتماعي وهو المدخل الصحيح للولوج إلى بوابة الحل للمعضلة التي تعاني منها بلادنا إثر استقلالها بسبب السياسات الفجة والرعناء التي ارتكز عليها النظام والتي بلغت بالدولة الإرترية مبلغا توسم فيه بالعضو غير المرغوب فيه في المحفلين الإقليمي والدولي وهوما تؤكده جملة قرارات الإدانة والوعيد الصادرة بشأنها.
ثمة حقيقة لابد من استيعابها واعتمادها في حواراتنا البينية وهي أن عملية الدفاع المشترك عن الثوابت الوطنية والاعتراف المتبادل بتلك الركائز الأربعة التي يقوم عليها سقف بنياننا الوطني لا تعني بحال من الأحوال الانسلاخ عن المجموعة العرقية والثقافية وإنما تصب في مصلحة بقاء الجميع بسلام لأنه تصالح حقيقي مع الذات وانسجام مع الواقع وهو نهج أخذت به البلدان المشابه للحالة الإرترية فانتظم شأنها حيث توجهت بكل طاقاتها نحو السير في ركاب الدول المستديمة لسياسات التنمية البشرية والعمرانية وجعلت من التباين مادة ثراء وتكامل وليس تناف وتآكل وجل قوانا الوطنية إذا اتجهت نحو كتل ذات أوزان معتبرة وخاضت حوارات فكرية هادفة وعميقة تتجلى في قدرة التناول السليم لجذور المشكلات في حسن مخاطبة ومعالجة لكافة قضايا المشكل الوطني بتجرد يمكن أن نجنب بلادنا وأجيال المستقبل مهزلة التيه والضلال التي نعيشها ما يربو علي نصف قرن من الزمان جلها قضايا مرحلَة منذ فترة تقرير المصير لكن تبلور حمل وزرها عند أفورقي ورفاقه وقاحة وعجزا ثورة ودولة عن تقديم حل عملي يذكر بعد إنفرادهم ولو على المستوى النظري فأنتجت سياساتهم الفطيرة مزيد غبائن دفينة في النفوس يخشى من إستعار أوارها عقب سقوط النظام المتهاوي ليل نهار ما لم تأخذ القوى الوطنية المتناثرة والمتوالدة دون تدبير تلك المخاطر في حسبانها وتعمل بصدق لتلافي آثارها ومآلاتها وذلك ببلوغها لمقام تكون قادرة فيه للتصدي لكل مهدد لبقاء الدولة والتراب الوطني موحدا.
ولكي نجعل من التضامن تاجا كما يرمز مختصرها لابد من الحفاظ على مكوناتها الأساسية لضمان الفاعلية والاستمرارية وقوة التأثير المرجوة حالا ومستقبلا حتى لا يذهب بنا الحماس بعيدا فنطوي المراحل ونصادم سنن التغيير ونقفزعلى سياج الاصلاح المتدرج فنتجاوز بها الأطر الرسمية التي تشكل أركان بنيانها لأن الفكرة لا تزال طرية في تقديرنا فيستدعي المنطق إعطاءها بعض الوقت في مزيد رعاية وعناية ريثما يشتد عودها وتقوى سواعدها وهذا لا يعني به أن نوصد الأبواب والنوافذ أمام من يرغبون الالتحاق بتاج من كيانات وشخصيات وطنية وهيئات رسمية واعتبارية يرى في إدماجها مزيد اصطفاف لبلوغ الأهداف لكن بقاء الهيكل الرسمي الذي تشكل عليه جسم التضامن يعد صمام أمان ترجى رعايته في سياق تدبيرنا السياسي لاستقامة البناء حتى لاتكون تاج جسد بلا روح أومظهر دون مخبر فلا تجد بجانبها عند فاجعتها وجيعا ولنا في التجارب من حولنا بصائر وعبر .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7700
أحدث النعليقات