ملتقى الحوار: بين الخوف من المجهول والسعى وراء المأمول
عمر جابر عمر
1-3
مدخل
جاء الملتقى بعد مخاض عسير – والمولود الذى يأتى بعد معاناة يرحب به أهله سواء جاء بعملية قيصرية أم بولادة طبيعية. منذ البداية رافقت هذا الملتقى وصاحبته نذر ومؤشرات لم تكن تبشر بخير. تم الاتفاق عليه قبل عقد من الزمان ولكن التحالف لم يتفق على الأهداف وما هو متوقع من الملتقى – وتطور الخلاف بين مكونات التحالف حتى طال الجسم كله وهدد وجود مؤسسة التحالف برمتها وكان المؤتمر التوحيدى والذى أعاد القافلة الى الطريق. ولكن عدم الثقة كان قد وصل مداه واستقر فى العقول والنفوس وأصبح تفسير كل حركة وكلمة يتوقف على مصدرها وقائلها وليس على مضمونها وأهدافها. بدأت اللجنة التحضيرية أعمالها فى ذلك المناخ ورافقت حركتها اشاعات وأحاطت بمواقفها ضبابية واتسمت حركتها بالأرباك والأرتباك.
وجاء انسحاب حزب الشعب ليكتب السطر الأخير فى العلاقة بين مكونات التحالف الديمقراطى وبدأت اللجنة التحضيرية تبحث عن ( البديل) لضمان حفظ التوازن! كان ذلك بداية الأرباك والأرتباك وتراكمت أخطاء التحضير وتعددت ولكن كان لا بد مما ليس منه بد – عقد الملتقى فى موعده المعلن – ليس لأن الأثيوبيين فرضوا ذلك – فقد ثبت ان ذلك غير صحيح ولكن التزاما بموعد أقره الجميع حتى لو كلنت هنا ك
مقاصد للبعض من ذلك. وقبل أن أتناول أحداث الملتقى ووقائعه ومكوناته اسجل الملاحظات التالية:
@ لم يكن الملتقى أكبر تجمع ارترى فى التاريخ كما قال البعض – مؤتمرات الجبهة والشعبية كانت أكبر بكثير—ولكنه كان تجمعا نوعيا ضم كل ألوان الطيف السياسي الأرترى – أو على أقل تقدير معظمها.
@ كان الملتقى منبرا مفتوحا للحوار – لا تقيده ضوابط ولا شروط – بل انه فى بعض الأوقات تجاوزت تلك الحرية كل الأعراف والتقاليد التنظيمية ( مثال رفض مقترح اللجنة التحضيرية لتشكيل السكرتارية وهو حق طبيعى لها) – لم يكن لقائد أو تنظيم فرصة لفرض رأيه – من كانت حجته قوية ومنطقه سليم كسب الحضور. لم يكن الأعضاء يصطفون حول القائد الفلانى أو التنطيم العلانى بل كان الألتفاف حول موقف ورؤية .
@ شخصنة الخلافات هى آفة ابتلى بها المجتمع الأرترى – النقد الذى وجهه الأعضاء الى اللجنة التحضيرية كان يمكن ان يكون موضوعيا ومقبولا لو تناول الأخطاء وتأثيرها على سير أعمال الملتقى – ولكن
حينما يتجاوز الأمر ذلك ويتناول الأفراد – تصبح غاية النقد محل تساؤل؟
اذا كلنت هناك من مسئولية تنظيمية وأدبية فهى مسئولية قيادة التحالف – هى التى شكلت اللجنة التحضيرية وكلفتها بالمهمة وكان عليها المتابعة والمحاسبة – وبعد ذلك فان المسئولية يتحملها كل أعضاء اللجنة التحضيرية وليس فردا واحدا بعينه.
@ هل نجح الملتقى؟؟ ذلك يتوقف على السائل وماذا كان يتوقع منه. الى الذين يكتبون ولا يقرأون أقول اننى فى آخر مقال كتبته قبل الذهاب الى الملتقى قلت فيه بالحرف: انه محطة ستتلوها وتتبعها محطات حتى
تكتمل المسيرة ونعود الى الوطن — لم تكن نبوءة حالم ولا دعاء محروم ولكنها قراءة لواقع أعرفه واعيش فيه واتفاعل معه. كانت استحضارا لروح ذلك الشعب والتى تظهر عند لحظة الخيارات الحاسمة – عندها يتجاوز شعبنا المؤقت الى الدائم ويتخطى المتحرك الى الثابت – كما حدث فى الأ ستفتاء بينما أسياس كان رئيسا للحكومة المؤقتة! كانت نسبة المؤيدين للقرار الجوهرى للملتقى 48 مقابل اثنين فقط فى اللجنة الفرعية التى شاركت فيها وتكررت نفس تلك النسبة فى بقية اللجان الخمسة — نجح الملتقى كما لم يتوقع الكثيرون سواء الذين شاركوا أم الذين غابوا عنه.
الآن الى محاور الملتقى –
المحور الأول: كان هذا الفريق يدعو الى التغيير الشامل ويبشر بميلاد فجر جديد ويقول ان العمر الأفتراضى للتحالف قد انتهى وان الوقت قد حان لتشييعه ( برلمان فى المنفى – وقيادة تنفيذية ( حكومة ظل) – وكا ن الله يحب المحسنين! الخطأ الأول لهذا المحور كان انه لم يضع مشروعه على الورق ولا تضمنته أوراق اللجنة التحضيرية واعتمد فى تسويقه على وسائل وقنوات ثقافة المقاهى؟ قال أحد أصدقاء المعارضة الأرترية حينما سئل هل سيشارك فى الملتقى أم لا ( صحفى أجنبى) اننى لم أقرأ أجندة الملتقى فى الأوراق ولكننى وجدتها فى رؤوس قيادات التحالف! الخطأ الثانى كان ان هذا المحور لم يقرأ مواقف القادمين الجدد قراءة صحيحة – اعتقد ان رفضهم للقيادات هو تأييد لهم ومباركة لمشروعهم – وقطع صلاته بالمنبع دون ان يضمن تأييد القادم الجديد – وحينما طرح هذا المحور رؤيته بوضوح قيل له: قف !
ما انتم الا كعكة من ذلك العجين – نحن نريد طحينا جديدا نخبزه بأيدينا ونشكله كما نريد!؟ واذا كان لا بد من مشاركة ارجعوا الى قومكم وآتونا بمن يمثلكم وسنقدم نحن من يمثلنا ! وتوقف المحور فى منتصف الطريق – لا هو قادر على التراجع ولا يستطيع التقدم الى الأمام. وكان القادمون الجدد قد أرسلوا اشارات واضحة لم تجد فهما صحيحا من هذا المحور( رفضهم لمقترح اللجنة التحضيرية بتشكيل السكرتارية ورفضهم لأوراق الحضيرية التى اعتبروها فرضت عليهم من أعلى – وكلها تعكس عدم التجربة وقلة الوعى التنظيمى ولكنها تؤكد الرفض القاطع للقيادة).
المحور الثانى كان هذا بقية اتجاه وتوجه عاش مرحلة التحضير فى شك وريبة من كل ما يرى ويسمع
تملكته حالة الخوف من المجهول وما يمكن ان يحدث لو انتصر المشروع الآخر؟ سار وهو يترقب خطاه ويتحسس مواطئى أقدامه والعقول مسكونة بحكمة المثل التايلندى ( اذا بشرك أحدهم بهطول المطر بينما انت ترى السماء صافية و لا تسمع رعدا ولا ترى برقا – تأكد بأنه يحمل اناء ماء سيصبه على رأسك!) – بعضهم آثر الابتعاد ظنا منهم ان الأمور قد تم حسمها والبعض الآخر قررالتحدى والمشاركة.
منذ البداية امتلك هذا المحور قراءة صحيحة لخارطة الملتقى لذا رفع شعا ر : التغيير التدريجى والمشاركة المحسوبة – وقام بحملة مكثفة واجتماعات متواصلة أكسبته قواعد جديدة وجعلت خصومه يقفون على الحباد!
المحور الثالث كان هذا المحور هو مفاجأة الملتقى – كثير منهم جاء بسبب غياب حزب الشعب – بعضهم مدسوس ( الشخص الذى هرب بعد يومين ونشر أكاذيبه حول الملتقى) والبعض تنقصه التجربة والمعرقة التنظيمية ولكن الغالبية العظمى مواطنون يحبون وطنهم ويريدون له الخير والنجاح ومواقفهم يكسبها صاحب الحجة القوية والمنطق السليم. كانت حالتهم أشبه ( بجراب الحاوى ) يتوقع ان تخرج منه الأرانب والحمائم ولكنه فى بعض الأحيان تخرج منه فجأة الثعابين والعقارب!؟
وفى نهاية الحوار نجح قرار التغيير التدريجى والمشاركة المحسوبة واتفق الجميع ان يكون المؤتمر الوطنى الجامع هو المحطة القادمة للتصحيح والتثبيت والانطلاق نحو التغيير الديمقراطى المنشود.
انجازات الملتقى كان القرار الجوهرى بعقد المؤتمر الوطنى الجامع نقطة تحول فى مسيرة المعارضة الارترية ولكن الى جانب ذلك فقد حقق الملتقى انجازات اخرى مشهودة:
# تم كسر الحاجز النفسى الذى كا ن يفصل بين مكونات الشعب الأرترى من خلال حوار موضوعى مسئول تناول كل مظالم الأطراف وشخص أسبابها وطرق علاجها.
# عمق ثقافة الحوار وأكد على الثوابت الوطنية واعترف بحقوق الجميع –
# شهد الملتقى اتفاق الرعيل الأول – هؤلاء الرواد الذين نحمل لهم دينا فى أعناقنا – اتفقوا على توحيد صفوفهم بعيدا عن الولاءات التنظيمية وتم تشكيل لجنة تحضيرية برئاسة المناضل صالح حيوتى للاعداد لمؤتمر جامع تنبثق عنه منظمة توحد كل الرعيل .
# اتفق الشباب الحضور على توحيد نشاطاتهم وجمعها فى منظمة واحدة تتحدث باسمهم.
# اتفقت المنظمات النسوية المشاركة على ورقة عمل موحدة قدمت الى الملتقى تحمل مطالبهن ووعدت بتوحيد صفوف المرأة الارترية على مستوى العالم كله.
السلبيات ربما يقول قائل هل هناك سلبيات بعد كل تلك الأنجازات؟ واذا كانت هناك سلبيات لماذا لا نتجاوزها وكفى الله المؤمنين القتال!؟ تذكر وذكر السلبيات هو لأخذ الدروس والعبر وعدم تكرارها وليس لمحاكمة زيد أو عمرو.
# لم تقدم اللجنة التحضيرية تفريرا ( أدبيا وماليا) لا الى الجهة التى كلفتها بالمهمة ( قيادة التحالف) ولا الى أعضاء الملتقى الذين جمعتهم فى تلك البقعة النائية من اقليم أورومو !
# لم تتضمن الأوراق التى قدمتها الى الملتقى القضية الرئيسية التى انقسم حولها الملتقى : مفوضية أم مجلس وطنى الا فى اليوم الأخير من الملتقى ما سبب ارباكا فى المداولات.
# تمثيل العضوية فى الملتقى لم يكن على أسس واضحة ومعايير ثابته الأمر الذى جعل الملتقى يتوقف كثيرا فى بعض الحالات للبحث عن مخارج وحلول للمأزق الذى خلقته اللجنة التحضيرية.
# تنظيم وترتيب رحلات الوصول والمغادرة – أحدث ارباكا ظاهرا وعكس عجز اللجنة التحضيرية عن السيطرة على الأمور ما جعل بعض الأعضاء يستعينون بعلاقاتهم الخاصة لتغيير موعد الحجز والسفر بطريقتهم الخاصة.
ورغم كل ذلك نجح المؤتمر بفضل وعى واصرار أبناء وبنات الشعب الأرترى وبتوفيق من الله للسير الى الأمام حتى تحقيق النصر . وكان الله فى عون الشعب الأرترى.
فى الحلقة القادمة : قضايا ملتهبة ناقشها الملتقى
@ التعايش الدينى – الواقع والمستقبل
@ قضية القوميات – الحقوق والحدود
@ العلاقة مع اثيوبيا ؟
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8208
أحدث النعليقات