منذ الأزل وأبو النضال يناطح الأجل
بقلم / متكل أبيت نالاي في الحياة شموس لا تنطفئ نورها تبقى لتمحو عتمة الدروب, واليوم عندما أتذكر جبهة التحرير أبحث في زمنها البعيد من كان سلاحنا الوحيد الذي يحرق كل معتدي آثم, وكلنا نتذكر بأن في ذلك الزمن لم تتلفظ سرايا أديس شيء بخصوص اللغة العربية, كما تتداولها اليوم, وجواسيس مهرجان إكسبو لعام 69, لن يجرؤ أحد منهم على الكلام,حاصرتهم حقائق الثورة حتى أصبحوا كمن أكل لقمة كبيرة وغص بها. فلاهي تنزل إلى جوفه فيرتاح. ولا هي تخرج . ووراء هذه الوليمة وجوه وقصص وحكايات تتعلق بتجسس والهروب إلى العدو. فالأنباء السيئة تصبح سارة عندما تتلقاها باكراً, من أجل تأكيد لأسرات كاسا انعدام فرص النجاح لمثل هذه المحاولات في جسم ثورة عواتي الظافرة. وبعد أن مشت علينا هذه الفصول الحافلة بالعجائب, اليوم أبكي على من كان يبكي الجبهة, صاحب الصوت الأبح لذي يعرفه الجميع من حنجرته,عرفت فيه سماحة النفس وطيب المعشر ووسع الإطلاع وغني المخزون الفكري, يعتبر مثالا للمناضل الصامد وفارساً عنيداً في الحق ومدافعاً عن حياضه. أبو النضال كان ميلاده بجوار الثورة الإرترية, في أرض بعيدة عن العمران والخدمات, حيث يوجد التباين الشاسع بين الشرق والغرب والشمال والجنوب الإرتري. ولد في براءة الريف الإرتري, في قرية مليئة بالنبتات لا ينضب عبيرها, وكل أهلها(يفزعون) لأي طارئ متعاونون بطبعهم يتمنون الخير للجميع, وكل ما بعد عنها أبو نضال, كان من حقه أن ينحسر على جمال تلك المعيشة الذي عاشها في هذه القرية البسيطة. تفتحت عيونه على ظلم حينما كان صبياً, ثم تعلم من الرعيل الأول السطور الأولى الكفيلة بمواصلة حمل الأمانة , فجاءت أفكاره متشربة بقائد المسيرة القائد عواتي وتأصل في ذهنه تاريخ الجبهة الأول بروعته وبطولاته, كان يعجب بالعزيمة التي جسدت مطالب الشعب الإرتري بالكفاح المسلح, وكان يرى بأن الشعب الإرتري يؤمن بأعمال قبل الرجال, وهذه المنطق كان كافياً بأن يمنحه الشجاعة ويشكل مكوناته وخصائصه الفذة. أتقن فنون القتال من الصول والجول والإقدام, بدأ يكسب بها بعدًا في ساحة الإرترية منذ صغره, طارد تخلي نكئيل, وأشبر, وقو نبوت, وشنبل ياسين, وأسملاش قيتؤم, وبعد عودته من الخارج تبلورة بجلاء قدرته القتالية الكبيرة في المناطق التابعة له, أسهم بها بجلاء جيش العدو مبكراً, حتى تغيرت وضع المنطقة من حال إلى حال. أبو نضال دائماً يرفع بنيان عواتي وغاياته عالياً, وكان نصيراً لأهدافه يتحرك ضد كل الأفكار الانشقاقية ويخاف على الساحة الإرترية من الانشقاقات, لكي لا تأخذ وضعاً يمزق أركان الجبهة ومكتسباتها التي أنجزها الرعيل الأول. كان أبو نضال شغف بإرتريا, تجول فيها في كل قراها وكان فدائي في مدنها, كم مرة سقط في شرك الموت وكم مرة كان بين القتلى, أبو النضال كان منذ الأزل يناطح الأجل. إرتريا هي هاجسه الوحيد, مشى فيها على الأقدام مسافات طويلة واطلع على عمق أسرارها وجمالها.للأسف مات برصاصة لا أحد يدري من أطلقها عليه, كان ضحية غفلة, وللأسف راو رفاقه دمه الأخير الذي كان يتبع أثر القاتل الهارب, يبدو خذلوه لم يحركوا شيئاً حتى يومنا هذاً, على هذا الدرب سار كثيرون أمامه وخلفه,لم يكن وحده يقتل هكذا, رموز كثيرة قتلت بيد الغدر في كسلا. مات في أشد لحظات حياتنا حرجاً,كم من التفاصيل المهمة ذهبت معه,عن مسيرة الزمن الباسل كان قد كتب فيها لنا نشيد الثورة وكنا ننصت له والأفكار تتزاحم على فكره وكانت له مشاهد مختلفة في مسيرته النضالية ووقائعه النفسية وعراقيل جمة تعرض لها في ساحة الإرترية. ذات يوم من أيام شديدة البرودة اقترب مني وفي نفسه كلام, حدثني عن الخطأ العقلاني في تجربة الثورة وكنت أتبعوه في كل التفاصيل قال: في قرقر كنا قد ختمنا معاركنا مع أعداء الثورة ففي ذلك الأخدود مات شباب بلادي , ونقب على المناضلين الذي كانوا معه,ثم قال لم تعطي الجبهة بعداً لموتهم, خصوصاً كانت الثورة المضادة تهرب على رؤوس أصابعها ليلاً لتقترب من أرض السودان.كانوا في الدقائق الأخيرة من حياتهم متخذين من خنادقهم على الأرض مكاناً للصمت, قال : نحنحة بهيبة الجبهة حتى لا تاهتز الجبهة في عيونهم. ثم قال:هكذا حضرنا طغاة الأرض نهايتهم, ولكن الجبهة هي التي أطالت حياتهم. روى لي هذه القصة على مهل وتبعاً لهذه المعطيات كان يتساءل على ما آلت إليه الظروف بعد ذلك. ثم تكلم عن المؤتمر الوطني العام الثاني الذي عقد في فترة من 6/5إلى 27/5/1975 وأنتقد كتلة اليسار المتمثلة في مجموعة حزب العمل وموقفها من الحرب والحوار وحول الانتماء الثقافي للمجتمع الإرتري.وحول تمثيل الجنود حديثي التجنيد في المؤتمر بذات المقاييس المعمول بها في تمثيل الوحدات العسكرية الأخرى في المؤتمر. وأبو النضال لم يكن محايد بشكل كافي بل كان حذراً مما يرى ويسمع ولا يريد أن يكون سبب لوقف الحوار الديمقراطي مع الآخرين, ومع ذلك دائماً يردد بأن التفاحة تقضم تدريجياً, وعليه وضع جدولاً لأولويات النضال وبنا, مواقفه من الصراع القوى الدائر في داخل الجبهة, ومن عدة شخصيات الضالعة في تخريب الثورة, والتي كانت تتراشق بالكلمات الفلسفية الفضفاضة. وفي أوائل يوليو من عام 1980 كان ضمن لواء الذي كان يرابط في جبهة شمال شرق الساحل حسب الاتفاق المشترك لاتفاقية 20 أكتوبر1977 ولكن عاد وفي نفسه مرارة على ممارسات الشعبية المكشوفة كان الأمر بنسبه له واضح لا لبس فيه. سمع همهمات مبهمة عن الوحدة من لا يؤمنون بالوحدة والحوار مع الجبهة. وهكذا هبت على مكتسبات الجبهة الرياح ونكست معها أعلامنا وصغرت أكتافنا, فقضينا أيام بلا معنى جف فيها تاريخ عواتي كخاتم الطين القديم. من أين لنا أن نصنع وطن يضم مبادئ عواتي والقياصرة الصغار تهمس بتواريخ صالحة لمجدهم,فهم المنتجين لشريط والمخرجين والممثلين الوحيدين, هنا أشعر بدم المهدور في كل وادي وخرائب في كل بيت أحصي قصصاً من الظلم في كل مكان, لهذا نتساءل لمن سيؤول سلاح هذا البطل وهتافاته الثورية.؟ يا ابن التراب بعدك صارت الأرض قاحلة والناس ظمأى, وأن إبليس بث جنوده في أرضك وبطبائعه الاستبدادية أصبح يقول لنا: أضلوا مسلماً فمن أضله ألبسته التاج على رأسه. فأعظمهم فتنة أقربهم إليه منزلة. وشعبك الإرتري باع كل شيء وتخلى عن حلمه الأول , واليوم يحاصره الجوع والفقر من كل جهة وتخنقه عذابات الهجرة في كل مكان. إ نني أرى عقليتك أيها البطل ليس لها مثيل في الثورة الإرترية, علمتنا الكثير وغاب عنا الكثير عن الجبهة التحرير, الجميع هنا يعجزوا عن رثاءك وإني منهم. فقد ظلمتك الثورة الإرترية التي أفنيت عمرك لها, ملتزماً بتعليمها. فقتلك منها أناس لا يعرفون كيف يختلفون مع الأخر, تعطلت لديهم نعمة التفكير من زمن بعيد, وأصبحوا يروا أنفسهم فوق النقد ومن يرى نفسه فوق النقد فأنه يصعب على الآخرين إقناعه. ختاماً نسأل المولى القدير أن يتغمد الشهيد البطل بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته والمجد والخلود لكل شهداؤنا الأبرار.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8819
أحدث النعليقات