الملتقى ضرب الوحدة وقتل التحالف

صلاح أبوراي – لندن

12/9/2010م

سبقت معركة اعلامية شرسة انعقاد الملتقى. أراد مضرموها ان تكون عالية الأصوات بحيث لا يعلو صوت هديرها شيئاً وتخفت اي صوت ناقد ومتسائل ومتحفظ بغرض تواري الاصوات المخالفة الى الهامش أو تنسحب من الساحة، لتجد تلك الاصوات الصدئة والمتكلسة براحاً للترويج والمبالغات والتبريكات واخفاء الاخفاقات وتبرير السيئات والتحريض والتثوير. وكانت دليلا لا يخطؤه العاقل بانها تمثل صدى وضجيج لفئة يناقض سلوكها طبيعة طرح المشروعات الكبيرة بالطرق اللحوارية الهادئة… اذن تهدف الى انجاز أمراً محظوراً أو مرفوضاً!.

كما اعقب ملتقى الحوار كشف الاتجاهات والرغبات لدي الكثيرين… فمنهم من استبشر خيراً بالتدخل الاثيوبي ورأى فيه المنقذ الذي لا ينبغي خسارته …ومن رأي في حق تقرير المصير بداية نهاية الهيمنة القومية والسير نحو الشراكة الحقيقية … ومن ندم للمشاركة وخرج من الساحة مهولاً .. ومن يرى ان البرلمان القادم المتمثل في المجلس الوطني هو المخرج من أزمات التحالف وانقساماته المتعاقبة وانه – البرلمان – ذو أغلبية منظمات المجتمع المدني هو الصيغة الصحيحة لتمثيل المعارضة …الخ.

القفز على الواقع والهروب الى الامام وبحث حلول للمشلكلات الجسيمة في (البرلمان أو حكومة منفى ورئيس جمهورية ورئيس وزراء ..الخ) ملفات لم يأتي استحقاقها الزمني لا يعبر الا عن العجز في حل المشكلات الآنية ولا يعدو كونه تراجع عن ايفاء استحقاقات المرحلة الحالية والتعامل مع ملفاتها وتحدياتها. عليه من الطبيعي ان نجد الاحجام عن كشف الضرورات التي دفعت بالملتقيين في اديس ابابا لاقرار تلك القرارات “حق تقرير المصير للقوميات وترحيل بند المجس الوطني الى المؤتمر القادم وغيرها ” بالرغم ليس ايُّ من تلك القرارات تعتبر هدف تنظيمي أو سياسي لاي من التنظيمات قبل “الذهاب لاديس ابابا لحضور الملتقى” أو ان تلك القرارت هامة وتقع في مسار خارطة طريقها الى اسمرة.! عليه الاصرار من بعض المشاركين للتسليم والإذعان لهم على أن المتلقى كان ايجابيا هي محاولة مكشوفة للهروب من الاسئلة الهامة والكبيرة التي صاحبت البيان الختامي للملتقى. ومما يزيد الأمر غموضاً هو ان نتائج ومقررات هذا الملتقى كانت معروفة ومتداولة في مجالس الارتريين قبل انعقاده واسهمت تلك القررات “المتسربة” في مواقف الكثيرين لحضور الملتقى من عدمه!. بالرغم من نفي معدّوه وزعمهم بأن تلك “القرارات المتسربة” التي تتداول تهدف لالقاء المزيد من التشكيك والتشويش على الملتقى لا سيما ان اللجنة التحضيرية كانت تزعم بأنه ملتقى وليس مؤتمراً وسوف لم ولن يتمخض عنه اية قرارات وانه لا يعدو كونه ملتقى للتفاكر في الشأن الوطني من قبل كل تلك الفعاليات السياسية والمدنية.! الا ان البيان الختامي وما حمله من قرارات مصيرية تتجاوز حتى صلاحية مؤتمرات المعارضة لجهة اتيانها الى قرارات دستورية ليس فقط للمعارضة الحق في اقرارها بل تناضل من أجل استرجاع هذا الحق المغتصب وتسليمه الى اصحابه الشرعيين (الشعب الارتري) ولا يمكن ان تصبح المعارضة وجهاً آخر لممارسة الحكومة.

سوف اتناول هنا النقطتين اللتين وردتا في البيان الختامي وهما تكوين مفوضية للإعداد لمؤتمر في غضون عام يتخمض عنه مجلس وطني وحق تقرير المصير للقوميات أو الوحدة الطوعية.

حق  تقرير المصير للقوميات :

إن اقرار حق تقرير المصير للقوميات أو ما اصطلح على تخفيف وقعه بالوحدة الطوعية (والوحدة الطوعية اقرب الى خيار الإنفصال من تعبير حق تقرير المصير .. فمن وافق على الوحدة الطوعية فقد أكد على حق تقرير المصير حتى الانفصال بينما حق تقرير المصير يمكن ان يكون في الاطار الوطني). هذا الحق والاصرار عليه من قبل القوميين له قراءات مختلفة: .. من حيث المبدأ لكل الحق للتعبير عن طبيعة مواجعه وتحديد تظلماته وإن الهيمنة الثقافية وهندسة المجتمع وتجرنته ونكران الانتماء الثقافي للآخرين يؤدي بطبيعة الحال الى الهروب والاحتماء بالثقافات الداخلية من هذا التسونامي الثقافي الذي يجرف الثقافات المحلية لاحلال ثقافة التجرنية. ولكن، ما هو الحل لهذه المشكلة ؟ وكيف هو المخرج من الهيمنة الثقافية؟. إن كل قومية كما انها تعاني من الهيمنة الثقافية والتهميش فإنها تتطلع الى ان تحكم نفسها في اقليمها الجغرافي وتنمي ثقافتها وتتمتع بنصيب وافر من الثروة ومشاركة واسعة في السلطة المركزية. هذه الأهداف الرئيسية التي تناضل في سبيلها القوميات بل وتسعى في نضالها من اجل اقناع كافة الفعاليات السياسية المحلية من اجل ان تتفهم مشروعية نضالاتها وتسعى في نضالاتها القومية للبحث عن متضامنين في العالم من اجل ان يكون لهم يوماً تضامنياً تقيمه الشعوب المتعاطفة مع نضالاتهم القومية…االيوم العالمي للتضامن مع الشعب العفري مثلاً. هذه التحالفات والتضامن مع النضالات القومية هو مكسب يدفع النضال القومي الى اهدافه المشروعة. ولكن ما حدث في الملتقى غريب بعض الشيء !. ذلك ان كافة الفصائل السياسية الارترية منفصلة أو مجتمعة في كتلها (الإنقاذ والتضامن وحزب الشعب) أو في اطارها الجامع – التحالف الوطني الارتري – تستجيب للمطالب القومية وتعالج تلك المشكلة في برامجها، يتجلى ذلك من خلال اقرارها اللامركزية الدستورية. هذا المكسب الوطني الكبير الذي يستجيب بصورة مباشرة للمطالب القومية لتتمتع بحكم ذاتي في اقليمها ومن اجل ان يكون لها حكومة محلية وبرلمان محلي ومشاركة واسعة في الحكومة المركزية ونصيب وافر من الثروة الوطنية، اقرار هذه المطالب يعتبر اكبر انتصار للنضالات القومية التي تخوضها الحركات القومية العفرية والكنامية بل اصبحت مشكلاتها القومية مشكلات مركزية تناضل في سبيل تحقيقها كل الفصائل الوطنية.. وهذا يعني ان تلك المشكلات القومية لم تعد مشكلات خاصة بالعفر والكناما فقط وانما مشكلات كل التنظيمات السياسية اي مشكلات وطنية تسعى كافة الفعاليات السياسية من أجل تحقيقها.. في ظل هذا الاعتراف الواسع للحقوق القومية وهذا المكسب الكبير التي حظيت به القوميات الارترية في نضالاتها من قبل كل التظيمات السياسية بدون استثناء لمصلحة من يطرح حق تقرير المصير ومن المستفيد ؟. القوميات تذهب بعيداً في طرحها القومي وتطالب بحق تقرير المصير اذا لم تجد آذاناً صاغية ولم تجد تفهماً لنضالاتها فتقرر حق تقرير المصير كرد فعل طبيعي لرفض تلك القومية وحقوقها المشروعة في الوطن. لكن في وطن كافة فعالياته السياسية تعترف بحقوقك وتناضل معك في سبيل تحقيقها كيف تطالب بحق تقرير المصير؟! هذا يعني  ان كلا الطرفين سواء الملتقى أو القوميات فشلا في ان يقتنع كل طرف الطرف الآخر. الملتقى فشل في اقناع القوميات بان ارتريا المستقبل ستصبح بلداً جاذباً لفئاتها القومية أي فشل الملتقى في اغراء القوميات بضمان منحهم سلطات واسعة في اقاليمهم ومشاركة واسعة في السلطة المركزية، وعليه ذهب القوميون الى الاصرار بحق تقرير المصير. والقوميات كذلك تقع في خطأ استراتيجي فاضح وتضرب عرض الحائط بمصالحها القومية بفقدان حلفاء يعترفون لها بحقوقها المشروعة ويناضلون معها من اجل تحقيقه، والاصرار على حق تقرير المصير مع هذا الاعتراف الواسع بحقوقهم يعني خسارة كلا الطرفين أي تخسر الحكومة الحالية – وهو طبيعي – وكذلك تخسر السلطة القادمة أي المعارضة على حد سواء وهذا مأزق يستوجب تجنبه وكان على الملتقى ان يخرج بصيغة ضمان الوحدة الجاذبة بدلاً عن حق تقرير المصير!

وإما احتمال ثالث وهو المرجح إن هذا القرار (حق تقرير المصير) الذي لا مصلحة فيه للمعارضة ولا للقوميات هو قرار اثيوبي، وارجحيته تأتي من رعايتها لمؤتمر مقلي للقوميات و”قربها” الكبير من التنظيمات القومية. وكذلك استراتيجيها في  ضرب الوحدة الوطنية الارترية بغية استسهال هيمنتها على البلاد أو تقسيمها كما هو الحال الوضع في الصومال. وهو أكبر خطر يواجهه المسلمين اذا ما نجحت تلك الاستراتيجية التي تقضي ان لا تؤول ارتريا الى محيطها العربي والاسلامي بعد سقوط اسياس افورقي.. فاثيوبيا تستبق المرحلة القادمة – مرحلة التغيير في ارتريا- التي تعقبها عودة اللاجئين والانفتاح الثقافي والتجاري الطبيعي والحتمي مع المحيط العربي الأمر الذي يحمل مخاوف جادة لكل من اسرائيل واثيوبيا وبعض القوميين الارتريين خاصة التجرنيا الوحدويون الجدد (نيو اندنت) الذين يتحركون بقوة منذ عدة سنين واهدافهم الخطيرة والكارثية على ارتريا والقرن الافريقي ويتحرك معهم بعض المسلمين (لا يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة) وكذلك بعض المسلمين الذين يؤيدون تلك الاستراتيجية منطلقين من الغضب واليأس ويرون ان التقسيم أفضل من الوحدة الوطنية (المزعومة) التي باسمها فقدوا الكثير من حقوقهم المشروعة والمؤسف ان بعض الاخوة يقعون في مفارقات تاريخية كبيرة بقولهم ان الوحدة الوطنية وحماية السيادة الارترية مصطلحات لا تخص الا أسياس افورقي وحكومته!. ظناً منهم بأن من يدافعوا عن تلك الثوابت والقيم “المشتركة” هم سذج وقليلو الوعي وناقصو الحكمة والمعرفة! وهؤلاء الاخوة هم ضحايا الغضب والايدلوجيا تراهم يتبنون حقوق القوميات والانفصال أكثر بكثير من اصحابها، وهم بصدد خوض معارك لواقع في اذهانهم ولا يمت الى الواقع بصلة…

ثانيا : المفوضية ومهامها

المفوضية تتألف من 53 شخص اختيروا من داخل الملتقى ويعتبر الملتقى مرجعيتهم بمعنى آخر لا تخضع المفوضية للتحالف ولا تأتمر بامره ولا تنفذ اجندته ولا تخضع لقراراته!! واذا اضفنا الى هذا الجسم بأنه يسعى الى انتخاب مجلس وطني في المؤتمر القادم بحسب البيان الصادر عن الملتقى اي انتخاب برلمان وطني تشريعي مخول بصلاحيات كبيرة تصل الى المصادقة على دستور نكون أمام جسم كبير اسمه مجلس وطني ارتري في المنفى أي برلمان في المنفى وتنتخب من داخله هيئة تنفيذية تعتبر حكومة في المنفى يكون في مقابل جسم مهجور ضعيف اسمه التحالف الوطني الاتري!!. ومن أجل انجاح هذا الجسم المراد تأسيسه (المجلس الوطني) تم تغليب منظمات المجتمع المدني والمستقلين على اعضاء التحالف في الملتقى! واغراق الملتقى بالمستقلين ومنظمات المجتمع المدني مقصود لتمرير تلك القرارات الخطيرة التي تؤدي الى الغاء التحالف بصورة عملية. إن المفوضية التي لا تأتمر بالتحالف وليس لها مرجعية غير المؤتمرالقادم ولا تذعن لأي امر من التحالف ولا تخضع لسلطاته انما تسعى الى تكوين جسم سياسي معارض كبير على انقاض التحالف. وكما هو معلوم ان المفوضية تتكون من أغلبية من المجتمع المدني واقلية من التنيظمات السياسية، بمعنى آخر ان نضال المعارضة في المرحلة القادمة سوف تخوضه الجمعيات المدنية والافراد المستقلين وهذا يعني بوضوح الرغبة في انهاء المعارضة السياسية الارترية ويعني قتل المظلة الجامعة المتمثلة في التحالف الوطني الارتري. والسؤال هو هل الملتقيين في اديس ابابا قرروا انهاء التحالف أم بطريقة ذكية تم تمرير الأمر واذا كان الوعي حاضراً في الأمر لماذا لم نر اي كتابات توضح عدم جدوى التحالف واستبداله بالمجلس الوطني ذو الغالبية المدنية ؟ وهل انه افضل صيغة لتمثيل ارادة المعارضة الارترية…وماهي المسوغات التي طرحت لقبول اعدام التحالف …ولماذا هذا العدد الكبير للمفوضية 53 ؟ ، … الخ !!.

لا أحد ينكر ترهل التحالف الوطني الارتري وعدم فاعليته ولكن دعم هياكله وتقوية ومساندة نظمه والمشاركة (وليس الهيمنة) مع قيادته كان سيجعله اكثر فاعلية وحيوية بدل قتله واستبداله بعناصر من المجتمع المدني غير المسيّسة لطبيعة تكوينها…!. هذا الاسئلة وغيرها الكثيرة بدل ان تلقى اجوبة وتدحض المخاف جاء البيان الختامي الذي انكره غالبية المشاركين ليزيد من الأمر غموضاً وظلالاً من الشك فيمن قرر عنهم ؟ ومن صاغ  البيان الذي لم يقبله المشاركون؟ وباسم من تحدث؟ ولماذا لم يُسحب البيان بعد الاستنكار والرفض الذي اعقب اصداره أم ان تلك الاصوات اخفقت من ان يستجاب لها ؟.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9189

نشرت بواسطة في سبتمبر 13 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010