” وفاة ناود المناضل ” رمز الحركة الوطنية والتضحية
بقلم : حسن إدريس كنتيباى – الكويت
فى صبيحة يوم الخميس الموافق 16-9-2010 قد رحل رمز الحركة الوطنية المناضل الكبير، محمد سعيد ناود من دار الدنيا الى دار الرحمة والمغفرة . خبر الوفاة المفاجأ هز مشاعرنا وأحدث صدمة عميقة وحزن شديد فى نفوس شعب ارتريا فى الداخل والمهجر ولكل رفاق الدرب وأحباب وأصدقاء القائد الراحل فى منطقة القرن الأفريقى والمنطقة العربية .
وفاة رمز بوزن وحجم محمد سعيد ناود هى خسارة كبيرة وبكل المقاييس فالفاجعة التى حلت بنا فى صبيحة 16-9-2010 ولو كان أمرها بيدنا لمنعنا وقوعها فى ظروف نحن أحوج ما نكون لأمثاله اصحاب تجارب نادرة ويتمتعون بالرشد السياسى وبالرؤية الثاقبة للأمور ولأن الأمر خارج عن ارادتنا أى الأمرهو قضاء الله وقدره فلا نملك الا الصبر والدعوة لفقيدنا ولشهدائنا الذين سبقوه بالمغفرة وبفسيح الجنات . فهم السابقون ونحن اللاحقون .
ان الجماهير الحاشدة ويتقدمها الرئيس وكبار قيادات قوات الدفاع ووزارء الدولة والشخصيات الدينية التى ودعت ورافقت الجسمان الطاهر فى موكب حزين ومهيب حتى مقبرة الشهداء باسمرا لتلقى النظرة الأخيرة للراحل المشهود له بالتضحيات والرمز التاريخى من رموز الحركة الوطنية وقيادات الثورة فهو خير تعبير عن مدى حب وتقدير شعبنا لرجال ضحوا بكل غالى وثمين فى سبيل حريته ورهنوا حياتهم ليصبح سيد قراره من أمثال ناود الشموخ والعطاء والفداء شعب أصيل وأمين على أمانة الشهداء الأبرار .
وفى شرق السودان كما فى ارتريا حزن وأسف لفقدان ابن بار ورجل من أكثر المدافعين عن قضاياهم والمهتمين برفع معاناتهم وازالة حالة التهميش وعدم التوازن الاجتماعى وفوق هذا وذاك فالمناضل محمد سعيد هو من مؤسسى مؤتمر البجة فى الخمسينيات . وكانت نظرة ناود بالنسبة لارتريا وللسودان عامة والشرق خاصة هى نظرة شعوب واحدة وامتداد لبعضها تاريخاً وثقافة وتراث ونضالاً مشترك .
وقد تعرض الفقيد فى عهد الأنظمة السودانية الدكتاتورية للمضايقات وللسجون وأحياناً للإعدام من قبل هذه الأنظمة لولا تدخل بعض الدول العربية لإنقاذه فى السبعينات . فقد الوطن شخصية بارزة ومتميزة بالروح النضالية العالية وبالصرامة والحزم فى مقارعة الاستعمارين والقوة الغربية التى الحقت شعبه باثيوبيا ظلماً وعدواناً من خلال قرارات جائرة ومزيفة .
كان الفقيد ومنذ بدايات شبابه شديد التأثر بالمظالم السياسية والانسانية الواقعة على شعبه الصابر ، مما دفع به الحماس للوطن وهو فى سن مبكر لمواجهة الغزاة المعتدين ومن هنا جاءت فكرة تأسيس حركة تحرير ارتريا مع رفاقه سنة 1958 (كتنظيم سرى وثورى ) . وفى فترة وجيزة استطاعت الحركة أن تنشر فى أوساط الشعب وتستقطب الفئات المثقفة وتقوم بعملية تحريض وتنظيم الجماهير فى الداخل والخارج والعمل لترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية والروحية بين الأطياف ومكونات المجتمع الارترى باعتبار الوحدة الوطنية مى مركزية ومحورية النضال ومن العوامل الرئيسية لانجاح القضية وانتصار الثورة وهو ما قادنا للنصر والاستقلال. فانطلقت الثورة 1961 بقيادة حامد ادريس عواتى وكان قائد الحركة (ناود ) أول الداعمين لوحدة البندقية والعاملين والمساهمين فى توفير اسباب الصمود وعوامل الانتصار للثورة الشعبية .
ليس هذا فحسب بل تحرك كقائد ثورى حاملاً ملف القضية ولهموم وتطلعات شعبه متجولاً بها اقطار ودول وشعوب المنطقة ومناصرى الحرية فى العالم ، شارحاً معاناة ارتريا من جراء العدوان الاثيوبى البربرى التوسعى والمدعوم من الدوائر الغربية والشرقية على حد سواء . لقد وجدت النداءات الارترية تجاوباً وتفهماً لعدالة القضية ودعماً وعوناً من شعوب المنطقة العربية وغيرها من الدول النامية حديثة الاستقلال فى بداية الستينات .
ان افعال ومواقف ناود الوطنية واسهاماته الكثيرة والكبيرة والمتنوعة خلال مراحل النضال ( الثورة والدولة ) لا يمكن حصرها فى هذه الفاجعة المحزنة او تناول قوائمها الطويلة بطول سنين النضال الارترى . لقد كان المناضل الكبير نجماً من نجوم الفكر وموسوعة معرفية جامعة وشاملة أى مخزوناً ثريا فى جميع المجالات . فهو السياسى الرشيد والديبلوماسى والاعلامى الزكى والانسانى الموتواضع والمؤرخ والمؤلف والأديب المبدع وصاحب القلم الذهبى الصادق فى تقنين الأحداث وفى تنظيف بعض الشوائب التى علقت بتاريخ ارتريا القديم والحديث .كانت المكتبة الارترية فقيرة فزودها بالكتب والدراسات والأبحاث وبترجمة المراجع الأجنبية التى تناولت القضية والمجتع الارترى ، وبالوثائق والخرائط الهامة والموثوقة والمحكمة.
غادر الدنيا ولم يترك لأبنائه وأسرته أموالاً ولا قصور ولا ارصدة فى البنوك المحلية أو الخارجية ، وانما ترك لهم ثروة غالية عليهم وعلى شعبهم ارتريا المحررة ارض الأجداد ومعبر الهجرات والرسالة السماوية .
نم يا أبو محمود غرير العين هانيًا مع الصديقين والشهداء لقد رحلت عنا جسداً ولكنك باقى معنا روحاً وفكراً نهتدى به وسوف يكون مرشداً وحافزاً ومغذياً لعقول الأجيال القادمة جيلاً بعد جيل .
العزاء للأسرة الكريمة وان يلهمهم وذويهم الصبر والسلوان .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9361
أحدث النعليقات