الزوبعة قادرة ان تحطم كل شئ ولكنها عاجزة عن فض الرسالة وفك عقدة الخيط

إذا أحسنا الظن فقد نقول أن الكتابات التي نشرت بالمواقع الارترية اخيرا بطبيعتها لم تحتمل غوصا في الأعماق وسبرا للأغوار، ويلاحظ  أن نسبة غير قليلة من تلك الكتابات ظلت مهجوسة بمحاكمة الواقع ورافضه تقصي جذوره إما سعيا وراء تصفية الحسابات الفكرية دفاعا عن الذات أو إستجابة لتوجيهات سياسية دفاعا عن الحكومة الإستبدادية ، وفي الحالتين فإنها تجاهلت عمدا عوامل البيئة التي أفرزت تلك التحولات .

وإن ما يحتاج إلى تفسير وتحليل هو ظهور أفكارنيرة في مرحلة ثم سيادة أفكارمضادة مظلمة في مرحلة أخرى علما بأن تأثير هذه الأفكار النيرة أو تلك المضادة تقف عند حدود المتلقين ولكن الحاصل أن اصدائها تنعكس على الإدراك العام أما النيرة تشيع فهما ايجابيا عن سعة الإسلام وسماحته وقدرته على احتواء الجميع على النحو الذي يشهد به سجل التجربة الإسلامية أما الأفكار المظلمة فإنها تشكل ادراكا معاكسا يصور الاسلام بحسبانه قطيعة مع الآخرين وإقصاء للمخالفين وإهدار لحقوق النساء وغير المسلمين إلى آخر الشرور والمثالب التي نعرفها .

في الحالتين ظلت المرجعية الإسلامية واحدة لم تتغير ولكن الذي حدث أن ظرفا تاريخيا إيجابيا توافر في لحظة ما فاستدعى الأفكار النيرة والبناءة ثم ظرف تاريخي آخر أبرزت عناصر سلبية استدعت من ذلك الوعاء أفكار التعصب والقطيعة الفكرية وهذا الظرف يتمثل في البيئة السياسية والثقافية والإجتماعية السائدة التي تشكل تربة إستنبات الأفكار .

وإذا صح ذلك التحليل فهو يعني أن الإكتفاء بمحاكمة الأفكار بمعزل عن البيئة التي أنتجتها لا يرتب حكما خاطئا فحسب ولكنه أيضا لا يسهم في علاج أيا من العلل التي واجهت المجتمع بسببها وإنما يدعوا الى إستفحال تلك العلل وإستئعصائها بمضي الوقت .

ثمة خطاب يسعى إلى إقناع الرأي العام بأن الإسلام أصبح مشكلة في إرتريا إما ان الانحياز إلى هذا الموقف يستهدف استبعاد الإسلام و إخراجه من المجال العام بالكامل وإما يستهدف تحجيم دور الإسلام وإبعاده عن التأثير المباشر في مجريات الأحداث ، لكن الشاهد أن الاحتمالين قائمين ذلك أن بيننا من يريد فقط أن يتحدى “الإسلاميين” لفض الناس من حولهم في المعارضة الإرترية وهناك من لا يخفي سعيه وإلحاحه على إقصاء الإسلام ونفيه من الواقع وغاب عن الأذهان أن المسلمين هم من نادوا باستقلال إرتريا عندما كان غيرهم  ينادوا بالإنضمام إلى أثيوبيا (حزب الاندنت) الذين كان أغلبهم من المسيحيين ولم يتوقف جهد المسلمين بعد الفدرالية بل استمروا على امتداد التاريخ جيلا بعد جيل من لدن الرابطة الإسلامية إلى حركة تحرير إرتريا إلى جبهة التحرير الإرترية التي انقسمت إلى عدة جبهات لم يستسلم المسلمين الوطنيين والمسيحيين حتى تكلل ذلك بإستقلال ارتريا وبالمقابل كان حزب الإندنت وكموندوزه وبانداهه أي المليشيا التي كانت تقتل وتحرق القرى وتصفية الوطنيين خاصة المسلمين منهم كالشهيد عبد القادر كبيري ومرورا بتحالف أسياس “الجبهة الشعبية” مع تجراي “الجبهة الشعبية “التجرينية الذين تحالفا وإشتركاء في تصفية الجبهة وبعد الاستقلال أيضا انفردت القوة المسيحية التجرينية بالسلطة والثروة وعملت على إقصاء المسلمين ونفيهم عن الوطن بالسجن أو القتل ،

وإذا تتبعنا مسيرة التاريخ الإرتري القديم والحديث نجد أن المسلمين هم الوطنيون وهم عامل استقرار وأمان ، أما المسيحيين نجدهم  كانوا في أغلبهم حلفاء للعدو وعملاءه ولكن فيما بعد  تمكنوا من التخلخل في مفاصل الثورة وأقصوا كل وطني واستبدوا بالسلطة أيما استبداد كما هو مشاهد اليوم مما أدى إلى عدم الاستقرار ذلك بغض النظر عن تلك القلة من أبناء المسلمين العملاء عبر التاريخ من لدن أجدادهم الذين كانوا في حزب الانضمام وأسقطوا البرلمان وأنزلوا العلم الإرتري وارتموا  طواعية في أحضان التاج الملكي في الماضي ، واليوم أحفادهم من الجيل الجديد المتمنطق بالمظهر الإسلامي بينما جوهره علماني بائس لا يعدو عن كونه تابع أمين لخدمة المسيحيين بمسميات مختلفة أو حقد دفين لكل ما هو إسلامي أو جبهوي لأنه يمثل المسلمين ولقد صفت الجبهة في الماضي كل عملاء إثيوبيا وكما استمرت المقاومة الإسلامية على ذات النهج في الحاضر الأمر الذي لم تألوا معه تلك الأطراف والأقلام  جهدا حتى تشوه الجبهة والإسلاميين من أجل الانتقام لآبائهم العملاء الذين أسقطوا علم إرتريا أو إخوانهم الذين تورطوا في خدمة نظام الشعبية ألإقصائي وتم تصفيته بواسطة المجاهدين ولهذا نجد هنالك أبواق تنبح من أجل تشويه كل من يجاهد ويناضل من أجل كرامة وحرية الإنسان الإرتري ومهما نبح من نبح فالقافلة تسير ولن تتوقف حتى يسقط النظام الطائفي الاستبدادي في إرتريا الحرة ،

إن الأسباب التي وراء حالة الانفراط والتفكك التي تسود المجتمع الإرتري الآن تفسر بالكثير من الأعراض التي ظهرت على سطح المجتمع هذه الأسباب هي :ـ

1. غياب الديموقراطية التي كان غيابها بمثابة ضربة قاصمة لفكرة العيش المشترك ومن ثم وبدلا من أن يشعر المواطنون بأنهم شركاء في صناعة الحاضر وبناء المستقبل وبدلا من أن يشتركوا في نسج الحلم معا فإنهم اكتشفوا أنهم مجرد رعايا لنظام احتكر السلطة وأحتكر صناعة الحاضر والمستقبل وحكم على المواطنين بالاغتراب داخل الوطن فلجأت كل جماعة منهم تحتمي بأطرها الضيقة .

2. غياب الرؤية الإستراتيجية الذي أشاع قدرا لا يستهان به من الحيرة في المجتمع بحيث لم يعد الناس يعرفوا بالضبط هم مع ماذا أو ضد ماذا ومن هم الأصدقاء ومن هم الأعداء .

وبالتالي حين غابت تلك الرؤية تمزق الوعي المشترك وتحول المجتمع إلى جزر منفصلة فانكفأ على ذاته واستشعر بالغربة إزاء  الآخر .

3. تشويه الدين وتخويف الناس منه وتصويره باعتباره عنصر إقصاء وخصم وسببا في التخلف وليس رافعة للتقدم وبابا للتراحم والتعاون على البر والخير .

إن الانفراط الحاصل في المجتمع الآن والتفكيك المشهود بوشائجه وروابطه نتيجة طبيعية لتلك العوامل مجتمعة التي من شأنها تغييب الحلم المشترك ومن ثم وضع العراقيل أمام تحقيق أمل العيش المشترك ،

إن من الخطأ التاريخي والموضوعي أن يحمل عنصر واحد بالمسؤولية عن التراجع والتدهور الحاصلين في بنية المجتمع وقيمه علما بأن الإبتثار والاختزال في هذه الحالة يخرج القضية عن نطاق البحث الموضوعي ويدخلها لمسار آخر تتراوح مراتبه بين سوء التقدير وسوء النية .

مجموعة تجديد الصحوة

sahwah1@hotmail.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9751

نشرت بواسطة في نوفمبر 18 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010