الخلافات حول مياه النيل – الحلقة الثانية
بقلم : إدريس أبوبكر
ظهرت أزمة تسييس قضية مياه النيل أول مرة فى عهد محمدعلى وأبنائه والأخرى فى عهد الخديوي سعيد ثم تجددت فى عهد اسماعيل باشا، إلاّ أنّ العلاقة بين كل من مصر و إثيوبيا قد شهدت تطورا متميّزا لم يسبق لها مثيل فى عهدي عبدالناصر وهيلى سلاسى ، لكن الأزمة عادت لتطل برأسها من جديد في حقبة السبعينات نتيجةً للإستقطاب السياسي بين قطبي الحرب الباردة عندما نزعت أثيوبيا شرقاً نحو المد السوفيتي الشيوعي بينما إتجهت مصر غرباً نحو امريكا ، امّا الخلاف الحالى فقد بدا فى عام 1995م عندما تداعت دول المنبع لإعادة النظر فى توزيع حصص مياه النيل وقد أمكن حصر حججهم في الآتي:-
أ – انّ دول المنبع لها نفس أحقية دول المصب في الإستفادة من مياه النيل – في إقامة السدود ، أو بيع حصتها لمصر والسودان أو طرف ثالث .
ب – انّ دول المنبع الآن تتحول من الزراعة الموسمية إلى الزراعة المروية الدائمة مما يستدعي زيادة حصصهم من مياه النيل أكثر من ذي قبل.
ج – انّ بعض دول الحوض التي أخذت تعانى من مشاكل بيئية : مثل تدهور فى التربة وارتفاع معدلات التلوث فيها ، أصبحت تشعر بأنها تشترك مع دول المصب في المغرم لا المغنم ، لذلك صارت ترى بأن الدول التي تستخدم أكثر من حصتها عليها أن تدفع ثمن الضرر الذي يترتب على ذلك.
د – انّ اتفاقية 1929م التى وقعت بين مصر وسلطة الإحتلال البريطانى لم تراعى احتياجات مستعمراتها الأخرى، لذلك أضحى من الضرورة بمكان إعادة النظر في تلك الإتفاقية .
أما حجج دول المصب (مصر والسودان) وخاصة مصر التي تتمسك بقوة بالإتفاقات السابقة وترفض أي مساس بحقوقها التأريخية المكتسبة فى مياه النيل وفق ما نصت عليه الإتفاقيات السابقة – والجدير بالذكر بأن جميع تلك الإتفاقيات قد أعطت لمصر:-
1- الحق التأريخى فى مياه النيل .
2- حق الفيتو.
3- موافقة مصر لأي مشروع يقوم فى أعالى النيل .
وفى إشارة للإتفاق الإطارى التعاونى فقد اشترطت كل من مصر والسودان على العمل بالإتفاقيات السابقة وإخطار دولتى المصب مسبقا قبل تنفيذ اي مشروع فى أعالى النيل، وفى حالة انشاء مفوضية لدول حوض النيل فإن التصويت فيها يجب أن يتم بالإجماع أو بالأغلبية بشرط موافقة دولتى المصب .
نتيجة لرفض كل هذه الإقتراحات – فقد ذهبت دول المنبع ( إثيوبيا،أوغندا،رواندا، وتنزانيا) إلى توقيع إتفاقية منفردةً بينها ، إلا أن كل من كينيا وزائير قد طلبتا مهلة لدراسة الإتفاقية قبل توقيعها.
تفنيد حجج الطرفين
أولا: حجج دول المنبع:-
أ- أنّ هذه الدول فى حججها لم تأخذ فى الإعتبار إعتماد مصر الكلى على هذا النهر بخلاف جميع دول الحوض الأخرى . فحاجة مصر لمياه النيل هى ليست لزيادة الرقعة الزراعية أوزيادة ناتج الدخل القومى بقدر ما أنها مسألة حياة أوموت بالنسبة لها – فإعتبار مياه النيل سلعة تباع وتشترى- لها تأثيرها الحتمي على الأمن القومي المصري .
ب – أنّ أي تنصل من أيٍّ من الإتفاقيات الإستعمارية هى ضد ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية التى تعترف وتدعو لإحترام تلك الإتفاقيات حتى لاتعم القارة فوضى عارمة – ففتح هذا الباب قد يفتح معه التنصل من الإتفاقات الأخرى، كإتفاقيات الحدود البرية والبحرية والجوية الموروثة من الإستعمار .
ثانيا: حجج دول المصب
التمترس وراء النقاط الثلاثة :- الحق التأريخى فى مياه النيل- وحق الفيتو – وحق المعرفة المسبقة لأي مشروع يقوم على أعالى النيل .
يشبه تنكراً لحقوق شعوب دول المنبع بدل البحث عن حلول ترضى الجميع ، فإستفادة شعوب المنبع من المياه قد لايعنى تخفيض حصة دول المصب، اذا كان ثمة اتفاق فى هذه المسألة ، فمثلا مساعدة جمهورية الكنغو لإستغلال نهرالكنغو العظيم ومساعدة اثيوبيا لبناء سدود للإستفادة من مياه الأمطار الغزيرة والأنهر الأخرى . ومثله لباقى دول الحوض قد يبعد شبح الصراع حول النيل .
الحلقة الثالثة والأخيرة: النيل و التعقيدات السياسية
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9869
أحدث النعليقات